يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط الفنية والتحليلية وملفات تعريف الارتباط الخاصة بطرف ثالث.
من خلال الاستمرار في التصفح ، فإنك تقبل استخدام ملفات تعريف الارتباط.

التفضيلات cookies

كلمةسعادة السفير الايطالي في بغداد ، برونو انتونيو باسكوينو ،بمناسبة الذكرى ال ٧٤ للعيد الوطني الايطالي، ٢حزيران ٢٠٢٠

في كتابة رسالة
للشعب الذي لن يستمع اليها أبداً، سيكون من الصعب جعل الكلمات تشرح الالم.
الشعور بالعذاب في هذه الاشهر جلب لنا تغييراً عميقاً في حياتنا و جعلها أكثر
صعوبة. ولكن لن يكون كل شيء كما كان من قبل، فأين سنجد الكلمات التي تشرح كل ما
حدث في بضعة اشهر، و كيف سيكون من الصعب نسيانه.؟

اليوم ٢ حزيران ، الذكرى ٧٤ لولادة
جمهوريتنا، يوم لا يميزه الا الشعور بالالم لما يعانيه العالم بأسره و
ليس بلدنا فقط، والذي يتفاقم بسبب بعدنا عن أحبائنا و حول نهاية هذه التجربة الرهيبة.

على عكس الخطاب التقليدي للاحتفال بالذكرى السنوية الذي يعمق
الفخر و الرضا والوعي بالتضحية الهائلة التي عانى منها أولئك الذين سبقونا في إعادة
بناء البلد المدمر بعد الحرب العالمية والحرب ضد الفاشية، بهذه المناسبة لايمكن
تجنب التركيز على الافكار والكلمات عن المأساة التي نمر بها.

الذي
أدهشنا جميعا أكثرهو عدد الضحايا الكبير، وعدم القدرة على الحصول على دقائق للوداع
أو على مراسم دفن لأحبائنا، صورة الشاحنات العسكرية ستبقى محفورة في ذاكرتنا
أكثر من أي صورة اخرى، والتي كانت تحمل جثث المتوفين ليلة ١٨ اذار في مدينة
بيرجامو، وهذا التاريخ سيبقى كرمز لجميع ضحايا هذا الفيروس. اذا
كان هنالك موت لايطاق اكثر، فهو موت ذلك الانسان الذي عاش في عزلة وحيدا،
يرافقه فقط الابطال الجدد في مجتمعنا، الاطباء والممرضات، الوحيدين الذين يقاتلون
يومياً، بدون توقف أو راحة، والبقاء على مقربة من أخر أولئك الذين لم
يتمكنوا من إنقاذه.

حتى في الأيام التي بدا فيها الألم وكأنه يخنق الأمل، كانت هناك
علامات على قوة الحياة التي لا يمكن كبتها, مع وجود الرغبة في استعادتها. كما يعلمنا
رجال الإيمان، ما هو حاسم لتحديد قيمته ليس كمية الأشياء، بل الحب الذي عاش به. عندما
ينفد نتاج أفعالنا، سيبقى الشعور الذي نفذناه بها بمثابة أثر لا يمحى.

هذه التجربة الرهيبة التي عاشها العالم كله، والتي بدأنا نرى
نهايتها، ذكّرتنا ببعض المبادئ الأساسية للحياة المدنية في المجتمعات التي تجمعها القيم
المشتركة، أولاً وقبل كل شيء ، الكرامة التي لا يمكن كبحها لكل حياة بشرية،
والواجب علينا لحماية أنفسنا، وحماية وأحترام الحقوق (والحياة) الأساسية للآخرين.

على الرغم من الشعور الحتمي بالغربة، يجب علينا أن نمنع هذه
التجربة من إجبارنا على العيش بين الاسوار العقلية ثم المادية، يجب أن نتجنب أن تصبح
الحدود اللازمة للاحتواء الوبائي جدراناً لعلم الأمراض الذي يرى الأجنبي كحامل للعدوى.

لقد أظهرت إيطاليا إنضباطًا رائعاً وقوةً أخلاقيةً وقدرة على
التكيف لم يعترف بها سوى القليل، بناءً على الافكار النمطية التقليدية. الآن، علينا
أن نتكيف مع “الوضع الطبيعي الجديد” لكي تتحقق جملة أحد آباء أوروبا ، جان
مونيه. في عام 1954 ، بعد التصويت على حجر الزاوية في حلم السلام وبعد ذلك أصبح
” الوحدة الأوروبية ” والذي قال “سوف تصيغ أوروبا نفسها في الازمات
وستكون مجموعة الحلول التي تم العثور عليها لتلك الأزمات”. هذا بالضبط ما يحدث
هذه الأيام ، على المستوى القاري وفي بلادنا.

أطلق Covid-19 تحدياُ غير مسبوق
لنا جميعًا في إيطاليا، نحن جميعًا معرضون ومعاً فقط يمكننا جميعاً الخروج منه. التعاون
ليس فقط في مصلحتنا، ولكنه واجب واضح في تأمين الضمانات للمساعدة العادلة والفعالة
التي يمكننا الاعتماد عليها، كمواطنين في بلد ديمقراطي وليبرالي. لا يمكن فرض مسؤولية
الملايين بالقوة، يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على الجهود اليومية الطوعية والواعية
للأفراد. هذه هي الحقيقة التي تميز أنظمتنا الليبرالية عن الأنظمة الديكتاتورية.

الإيطاليون ضحايا للصور النمطية التقليدية مثل قلة من الدول
الأخرى، يعتقد الجميع أنهم يعرفون “روح” أكثر من 60 مليون شخص. غالبًا ما
ترتبط صفتان، “إجتماعيًا” و “غير منتظمين”. ولكن في الأوقات الصعبة
مثل الحرب العالمية الثانية، الإرهاب وكوفيد
-١٩ ، أظهرنا موارد مدهشة ويجب ألا يقلل من
شأننا. بالمقارنة مع العديد من البلدان الأخرى، تعد إيطاليا قطعة صغيرة من الأرض ،
فقيرة في الموارد الطبيعية، ولكنها على مدى 2500 عام تمكنت من البقاء في مرحلة التاريخ
بحكم “المكان العبقري” وهو تعبير عن الفضائل والصفات المتنوعة والمتناقضة
من سكانها.

هذه الميزات و الصراع مع هذا المرض غير المرئي، ساعدتنا على
أن ندرك عظمة إيطاليا و نفتخر بها، نستطيع
أن تكون إنموذجاً في العالم، ليس فقط ماذا نأكل، كيف نلبس، كيف نعمل، والفن والموسيقى
، وإنما أيضاً كديمقراطية تعتني بمواطنيها وتدافع عنهم بكل السبل حتى ضد هذه الجائحة،
كما في مثل أفريقي عظيم “وحدك تستطيع
السير سريعاً، لكن معاً نستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك”

هذه القيم جميعاً لنا كأيطاليين تمثل مقولة مشهورة لونستون تشرشل
في مقابلة صحفية لأحد أشهر الصحفيين الايطاليين اندرو مونتانيللي خلال الحرب العالمية
الثانية، وكانت لندن تعيش تحت وابل القنابل النازية، وكان تشرشل يزور أحدى المناطق
المتضررة، رأى لافتة داخل محل أحد الحلاقين تقول
” المحل مفتوح، هذا عملنا كالعادة”، والتي أصبحت علامة لروح النضال الانكليزي. وبعدها أضاف “قيادة هذا
الشعب يشعرني بالفخر وهذا يغطي كل العيوب”. ولكن لا أحد من الذين كانوا معي يمتلك
الجرأة بأن يقول لي بأنه كان إيطالي من مدينة نابولي و أسمه باسكوال اسبوزيتو.

هذا الثبات وهذه القوة الروحية تساعدنا في الفترة القادمة بعد
الاشهر المظلمة. حينما نقرأ البيانات اليومية بعدد الوفيات، نتسائل متى سنستطيع رؤية
أحبتنا ، لكي نشعر بمعنى السعادة بقربهم.

في هذا اليوم ٢ حزيران ٢٠٢٠، يجب أن يذكرنا بالعمل اليومي في هذه الاشهر، والعلاقة
مع الزملاء الذين تعايشنا معهم، والتي كانت إجبارية حسب التعليمات الصحية، والتي أكتشفنا
فيها القيم الانسانية لكل فرد منهم، ولكل منهم دوره في هذه الفترة المميزة، والتي نتمنى
أن لا تتكرر، العلاقة مع الاصدقاء والزملاء
و الشخصيات العراقية والاجنبية الذين عاشوا معنا هذه الصعوبات، والتي نتمنى بأن
لا تكون عقبات لا يمكن التغلب عليها. هذه ستكون
من الذكريات التي ستبقى كتجربة لنا في هذا البلد.

السفارة الايطالية في بغداد، في هذه اليوم الخاص، تريد أن تعبرعن أحد الامال العديدة في هذه الفترة
من صعوبات غير مرغوب بها، والمأسي الشخصية، و الازمة الاقتصادية، التي جمعت المواطنين
الايطاليين على أمل أن تعيد ايطاليا بعد هذه العاصفة الى أكتشاف نفسها كمجتمع موحد،
قائم على القيم الموجودة في دستورنا، ويتم تحويلها وترجمتها الى المعاهدات الاوربية،
تماماً كما يشعر كل عضو في هذه الهيئة الدبلوماسية في الخارج بأنه جزء من منظومة متحدة
و حيوية وتعمل على أهداف مشتركة.

من المؤكد أننا تعلمنا من هذه التجربة بأننا نستطيع التغلب عليها
اذا ما واجهناها سويةً، للنهوض مجدداً للاحتفال في العام المقبل بذكرى ولادة جمهوريتنا،
الديمقراطية، الحرة و الدستورية، ولن ننسى
الذين لن يكونوا معنا مع الاسف.